كيف تنمين حب المشاركة عند طفلك؟

إن تنمية حب المشاركة عند الطفل من الركائز الأساسية لبناء شخصية اجتماعية متزنة وقادرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين، وهي خطوة محورية في إعداد الطفل للحياة المدرسية والمجتمعية. يتعلم الطفل من خلال المشاركة قيمًا إنسانية مثل الاحترام، التعاطف، التعاون، التواضع، والمساواة، ويتطور لديه الإحساس بالانتماء والمسؤولية. إن زرع هذا السلوك في مرحلة الطفولة المبكرة يشكل استثمارًا طويل الأمد في بناء مواطن فاعل يتمتع بقدرات تواصلية وعاطفية ناضجة.

أولاً: أهمية تنمية حب المشاركة في الطفولة

تعدّ المشاركة حجر الأساس في تعلم المهارات الاجتماعية والعاطفية التي يحتاجها الطفل للتفاعل مع محيطه، حيث يبدأ الطفل من خلال تجاربه الأولى في البيت والروضة بتكوين تصوّر عن مفهوم “الآخر”، ويبدأ بالإحساس بوجود حاجات ومشاعر ورغبات تختلف عن رغباته الشخصية.

1. تعزيز السلوك الاجتماعي الإيجابي

عندما يُشجَّع الطفل على المشاركة، فإنه يكتسب قدرة على بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون. كما تزداد فرص تكوين صداقات متينة وفعالة تساعد على تعزيز الشعور بالثقة بالنفس والانتماء الاجتماعي.

2. تنمية المهارات العاطفية

المشاركة تعزز الوعي بمشاعر الآخرين، وهو ما يعرف بالذكاء العاطفي. يتعلم الطفل كيف يضع نفسه مكان الآخرين، ويتفهم حاجاتهم، ما ينمي لديه الإحساس بالتعاطف، ويقلل من النزعة الأنانية أو السلوكيات العدوانية.

3. دعم الاستقلالية والانضباط الذاتي

عندما يشارك الطفل ممتلكاته أو أنشطته، فهو يمر بتجربة داخلية تساعده على فهم ذاته وحدود رغباته. فالمشاركة ليست خضوعًا بل اختيار ينبع من نضج داخلي، وهي بذلك تدعم بناء شخصية مستقلة ومنضبطة.

ثانياً: مراحل تطور مفهوم المشاركة لدى الطفل

يتطور حب المشاركة لدى الطفل تدريجيًا، ويتأثر بعمره ومستوى نموه المعرفي والعاطفي، كما يتشكل وفقًا للبيئة الأسرية والثقافية المحيطة به.

ثالثاً: أساليب عملية لتربية الطفل على حب المشاركة

1. القدوة الإيجابية

الطفل يقلد ما يراه، لا ما يُقال له. إذا رأى الوالدين يشاركون بعضهم البعض في المهام المنزلية، ويتقاسمون الطعام، ويعبرون عن دعمهم للآخرين، فإنه سيستوعب هذا السلوك كأمر طبيعي.

2. التربية باللعب

اللعب الجماعي يمثل البيئة الطبيعية لتعلم المشاركة. يمكن اختيار ألعاب تتطلب التناوب والتعاون، مثل بناء المكعبات المشتركة أو الألغاز أو الألعاب الرياضية الجماعية. خلال هذه الأنشطة، يتعلم الطفل كيف ينتظر دوره، ويعتمد على الآخرين، ويشارك في النجاح الجماعي.

3. القصص والنماذج الأدبية

تُعد القصص وسيلة فعالة لغرس القيم، حيث يمكن استخدام قصص عن أبطال أطفال يتميزون بسلوك المشاركة، مما يجعل الطفل يربط هذا السلوك بالإعجاب والإيجابية. القصص التربوية الموجهة لها دور كبير في إثارة خيال الطفل وتوجيه مشاعره نحو التفاعل البنّاء مع محيطه.

4. تشجيع الطفل على التبرع والمبادرات

يمكن إشراك الطفل في حملات التبرع بالملابس أو الألعاب لأطفال آخرين، بشرط أن يُترك له حرية اختيار ما يود التبرع به. هذه التجربة تعزز قيم العطاء وتُخرج الطفل من دائرة التملك المفرط.

5. استخدام التعزيز الإيجابي

كلما أظهر الطفل سلوكًا مشاركًا، ينبغي مكافأته لفظيًا (“أحسنت، لقد شاركت لعبتك مع أختك، هذا تصرف جميل”) أو من خلال تحفيز رمزي صغير. التعزيز الإيجابي يُرسخ هذا السلوك في لاوعي الطفل ويشجعه على تكراره.

6. تنظيم الأنشطة المنزلية الجماعية

من المهم أن يُطلب من الطفل المشاركة في إعداد المائدة، ترتيب غرفته، أو المساعدة في رعاية أخوته الصغار، فهذه الممارسات اليومية تعزز شعور الانتماء والانخراط في بيئة قائمة على التعاون.

7. تقبل مشاعر الطفل وعدم إجباره

يجب فهم أن الطفل قد يمر بمرحلة يكون فيها غير راغب بالمشاركة. في هذه الحالة، لا يُجدي الضغط أو اللوم، بل يجب التعامل معه بلطف، وفهم الدوافع التي تقف وراء هذا الرفض، والعمل على معالجتها تدريجيًا من خلال التحاور والاحتواء.

رابعاً: دور الأسرة في بناء بيئة داعمة

1. خلق ثقافة المشاركة داخل البيت

يمكن للأسرة أن تؤسس قاعدة مفادها أن “البيت بيت الجميع”، وأن الممتلكات يتم مشاركتها بروح التعاون وليس التنافس. فمثلاً، يمكن تخصيص ألعاب مشتركة أو تشجيع أفراد الأسرة على تبادل الكتب والقصص.

2. تخصيص وقت عائلي للمشاركة

تخصيص وقت يومي للأنشطة العائلية المشتركة، مثل مشاهدة فيلم أو قراءة قصة أو الطهي معًا، يعزز مفهوم التفاعل الجماعي، ويقدم فرصًا طبيعية لتطبيق قيمة المشاركة.

3. بناء الحوار الأسري

فتح مجال للنقاشات العائلية حول المشاعر والتجارب يساعد الطفل على التعبير عمّا يشعر به، ويعلّمه أن الإصغاء للآخرين والردّ عليهم بتفهّم هو شكل من أشكال المشاركة الوجدانية.

4. الحد من التنافس السلبي بين الإخوة

عند وجود أكثر من طفل، ينبغي على الأهل تجنب المقارنات المباشرة، لأنها تغرس الحسد والنزعة الفردية. الأفضل هو تعزيز سلوك التعاون بينهم، من خلال تحفيزهم على إنجاز مهمات مشتركة ومكافأتهم كمجموعة.

خامساً: أثر المؤسسات التربوية والمجتمعية

البيئة التربوية خارج المنزل تلعب دورًا هامًا في ترسيخ مفهوم المشاركة، من خلال المعلمين والمربين وطرق التدريس المعتمدة.

1. الروضات والمدارس

ينبغي على المدارس إدراج أنشطة جماعية ضمن برامجها التعليمية، وتوفير فرص لتكليف الطلاب بمهمات جماعية. استخدام استراتيجيات مثل “التعلم التعاوني” و”المجموعات الصغيرة” من الوسائل التي تعزز حس المشاركة لدى الأطفال.

2. الجمعيات والمراكز المجتمعية

الأنشطة التي تنظمها المراكز التربوية، مثل الرحلات الجماعية، الأنشطة البيئية، والمخيمات الصيفية، تتيح للطفل فرصًا حقيقية لممارسة المشاركة على نطاق أوسع، ما ينمّي استقلاليته الاجتماعية ويصقل شخصيته.

سادساً: التحديات والصعوبات التي قد تواجه الأهل

رغم أهمية زرع قيمة المشاركة، إلا أن الأهل قد يواجهون عددًا من التحديات التي تحتاج إلى وعي وصبر:

• الغيرة بين الإخوة: تظهر بشكل طبيعي، وتحتاج إلى إدارة ذكية من الأهل لإعادة التوازن العاطفي داخل الأسرة.

• الطبيعة المزاجية للطفل: بعض الأطفال بطبيعتهم أكثر تحفظًا أو تعلقًا بممتلكاتهم، ما يتطلب نهجًا تربويًا خاصًا قائمًا على التدريج والصبر.

• النماذج السلبية في الإعلام أو المحيط: تؤثر بشكل غير مباشر على سلوك الطفل، وقد تتطلب تدخلات توعوية إضافية.

سابعاً: أثر تعزيز حب المشاركة على المدى البعيد

الطفل الذي يتعلم قيمة المشاركة يصبح شابًا ناضجًا اجتماعيًا، قادرًا على الاندماج في العمل الجماعي، يتحلى بالمرونة، ويتميز بقدرات تواصلية فعّالة. كما يسهم ذلك في خلق مجتمع متكامل يقوم على التفاهم والتكافل لا على الأنانية والعزلة.

الشخص الذي اعتاد على المشاركة منذ صغره يكون أكثر استعدادًا لبناء علاقات زوجية وأسرية ناجحة، وأكثر قدرة على تقبل الآخر، ما يقلل من النزاعات والصراعات لاحقًا في الحياة.

المصادر والمراجع

• Piaget, J. (1951). The Psychology of Intelligence. Routledge.

• Berk, L. E. (2013). Child Development (9th ed.). Pearson Education.